فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{إله غيره} بالجر على الوصف حيث كان: يزيد وعلي الباقون بالرفع حملًا على محل {من إله} {إني أخاف} بفتح الياء: أبو عمرو وأبو جعفر ونافع وابن كثير {أبلغكم} بالتخفيف حيث كان: أبو عمرو. والباقون: بالتشديد. عباس: بالاختلاس {بصطة} بالصاد: أبو جعفر ونافع وابن كثير غير ابن مجاهد وأبي عون عن قنبل وعاصم وعلي وسهل وشجاع وابن الأخزم عن ابن ذكوان الحلواني عن قالون مخيرًا.

.الوقوف:

{غيره} ط {عظيم} o {مبين} o {العالمين} o {لا يعلمون} o {ترحمون} o {بآياتنا} ط {عمين} o {هودًا} ط {غيره} ط {تتقون} o {الكاذبين} o {العالمين} o {أمين} o {لينذركم} ط لتناهى الاستفهام {بسطة} ج تنبيهًا على الإنعام العام بعد ذكر إنعام خاص مع اتفاق الجملتين {تفلحون} o {آباؤنا} ج للعدول مع فاء التعقيب {الصادقين} o {وغضب} ط {من سلطان} ج لانتهاء الاستفهام إلى أمر التهديد {المنتظرين} o {مؤمنين} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما ذكر في تقرير المبدأ والمعاد دلائل ظاهرة، وبينات قاهرة، وبراهين باهرة أتبعها بذكر قصص الأنبياء عليهم السلام، وفيه فوائد:
أحدها: التنبيه على أن إعراض الناس عن قَبول هذه الدلائل والبينات ليس من خواص قوم محمد عليه الصلاة والسلام بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السالفة، والمصيبة إذا عمت خفت.
فكان ذكر قصصهم وحكاية إصرارهم على الجهل والعناد يفيد تسلية الرسول عليه السلام وتخفيف ذلك على قلبه.
وثانيها: أنه تعالى يحكي في هذه القصص أن عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى الكفر واللعن في الدنيا والخسارة في الآخرة وعاقبة أمر المحقين إلى الدولة في الدنيا والسعادة في الآخرة، وذلك يقوي قلوب المحقين ويكسر قلوب المبطلين.
وثالثها: التنبيه على أنه تعالى وإن كان يمهل هؤلاء المبطلين ولكنه لا يهملهم بل ينتقم منهم على أكمل الوجوه.
ورابعها: بيان أن هذه القصص دالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، لأنه عليه السلام كان أميًا وما طالع كتابًا ولا تلمذ أستاذًا، فإذا ذكر هذه القصص على الوجه من غير تحريف ولا خطأ، دل ذلك على أنه إنما عرفها بالوحي من الله، وذلك يدل على صحة نبوته.
ولقائل أن يقول: الأخبار عن الغيوب الماضية لا يدل على المعجز، لاحتمال أن يقال إن إبليس شاهد هذه الوقائع فألقاها إليه، أما الأخبار عن الغيوب المستقبلة فإنه معجز لأن علم الغيب ليس إلا لله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه تعالى ذكر في هذه السورة قصة آدم عليه السلام، وقد سبق ذكرها.
والقصة الثانية: قصة نوح عليه السلام وهي المذكورة في هذه الآية وهو نوح بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ وأخنوخ اسم إدريس النبي عليه السلام، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال صاحب الكشاف: قوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا} جواب قسم محذوف.
فإن قالوا: ما السبب في أنهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلا مع قد، وذكر هذه اللام بدون قد نادر كقوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ** لناموا..............

قلنا: إنما كان كذلك لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم.
المسألة الثانية:
قرأ الكسائي {غَيْرُهُ} بكسر الراء على أنه نعت للإله على اللفظ والباقون بالرفع على أنه صفة للإله على الموضع لأن تقدير الكلام ما لكم إله غيره، وقال أبو علي: وجه من قرأ بالرفع قوله: {وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله} [آل عمران: 62] فكما أن قوله: {إِلاَّ الله} بدل من قوله: {مَّا مِن إِلَهٍ} كذلك قوله: {غَيْرُهُ} يكون بدلًا من قوله: {مِنْ إِلَهٍ} فيكون غَيْرِ رفعًا بالاستثناء، وقال صاحب الكشاف: قرئ غَيْرِ الحركات الثلاث، وذكر وجه الرفع والجر كما تقدم، قال وأما النصب فعلى الاستثناء بمعنى ما لكم من إله إلا إياه كقولك ما في الدار من أحد إلا زيدًا وغير زيد.
المسألة الثالثة:
قال الواحديُّ: في الكلام حذف، وهو خبر {مَا} لأنك إذا جعلت {غَيْرُهُ} صفة لقوله: {إِلَهٍ} لم يبق لهذا المنفي خبر، والكلام لا يستقل بالصفة والموصوف، لأنك إذا قلت زيد العاقل وسكت، لم يفد ما لم تذكر خبره.
ويكون التقدير ما لكم من إله غيره في الوجود، أقول: اتفق النحويون على أن قولنا لا إله إلا الله لابد فيه من إضمار، والتقدير: لا إله في الوجود أو لا إله لنا إلا الله ولم يذكروا على هذا الكلام حجة، فإنا نقول لم لا يجوز أن يقال دخل حرف النفي على هذه الحقيقة؟ وعلى هذه الماهية، فيكون المعنى أنه لا تحقق لحقيقة الإلهية إلا في حق الله، وإذا حملنا الكلام على هذا المعنى استغنينا عن الإضمار الذي ذكروه.
فإن قالوا: صرف النفي إلى الماهية لا يمكن لأن الحقائق لا يمكن نفيها، فلا يمكن أن يقال لا سواد بمعنى ارتفاع هذه الماهية، وإنما الممكن أن يقال إن تلك الحقائق غير موجودة ولا حاصلة، وحينئذ يجب إضمار الخبر.
فنقول: هذا الكلام بناء على أن الماهية لا يمكن انتفاؤها وارتفاعها، وذلك باطل قطعًا.
إذ لو كان الأمر كذلك لوجب امتناع ارتفاع الوجود لأن الوجود أيضًا حقيقة من الحقائق وماهية فلم لا يمكن ارتفاع سائر الماهيات؟
فإن قالوا: إذا قلنا لا رجل، وعنينا به نفي كونه موجودًا، فهذا النفي لم ينصرف إلى ماهية الوجود، وإنما انصرف إلى كون ماهية الرجل موصوفة بالوجود.
فنقول: تلك الموصوفية يستحيل أن تكون أمرًا زائدًا على الماهية وعلى الوجود، إذ لو كانت الموصوفية ماهية، والوجود ماهية أخرى، لكانت تلك الماهية موصوفة أيضًا بالوجود، والكلام فيه كما فيما قبله، فيلزم التسلسل، ويلزم أن لا يكون الموجود الواحد موجودًا واحدًا، بل موجودات غير متناهية وهو محال.
ثم نقول موصوفية الماهية بالوجود إما أن يكون أمرًا مغايرًا للماهية والوجود، وإما أن لا يكون كذلك.
فإن لم يكن أمرًا مغايرًا لها فحينئذ يكون لذلك المغاير ماهية ووجود، وماهيته لا تقبل الارتفاع، وحينئذ يعود السؤال المذكور.
فثبت بما ذكرنا أن الماهية أن لم تقبل النفي والرفع، امتنع صرف حرف النفي إلى شيء من المفهومات، فإن كانت الماهية قابلة للنفي والرفع، فحينئذ يمكن صرف كلمة لا في قولنا لا إله إلا الله إلى هذه الحقيقة، وحينئذ لا يحتاج إلى التزام الحذف والإضمار الذي يذكره النحويون، فهذا كلام عقلي صرف، وقع في هذا البحث الذي ذكره النحويون.
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا}.
فيه قولان: قال ابن عباس: بعثنا.
وقال آخرون: معنى الإرسال أنه تعالى حمله رسالة يؤديها، فالرسالة على هذا التقدير تكون متضمنة للبعث، فيكون البعث كالتابع لا أنه الأصل، وهذا البحث بناء على مسألة أصولية، وهي أنه هل من شرط إرسال الرسول إلى قوم، أن يعرفهم على لسانه أحكامًا لا سبيل لهم إلى معرفتها بعقولهم، أوليس ذلك بشرط؟ بل يكون الغرض من بعثة الرسل مجرد تأكيد ما في العقول، وهذا الخلاف إنما يليق بتفاريع المعتزلة، ولا يليق بتفاريع مذاهبنا وأصولنا.
المسألة الخامسة:
في الآية فوائد:
الفائدة الأولى: أنه تعالى حكى عن نوح في هذه الآية ثلاثة أشياء: أحدها: أنه عليه السلام أمرهم بعبادة الله تعالى.
والثاني: أنه حكم أن لا إله غيرُ الله، والمقصود من الكلام الأول إثبات التكليف، والمقصود من الكلام الثاني الإقرار بالتوحيد.
ثم قال عقيبه: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} ولا شكَّ أن المراد منه إما عذاب يوم القيامة، وعلى هذا التقدير: فهو قد خوفهم بيوم القيامة، وهذا هو الدعوى الثالثة، أو عذاب يوم الطوفان، وعلى هذا التقدير: فقد ادعى الوحي والنبوة من عند الله، والحاصل أنه تعالى حكى عنه أنه ذكر هذه الدعاوى الثلاثة، ولم يذكر على صحة واحد منها دليلًا ولا حجة، فإن كان قد أمرهم بالإنذار بها على سبيل التقليد، فهذا باطل، لما أن القول بالتقليد باطل.
وأيضًا فالله تعالى قد ملأ القرآن من ذم التقليد، فكيف يليق بالرسول المعصوم الدعوة إلى التقليد؟ وإن كان قد أمرهم بالإقرار بها مع ذكر الدليل، فهذا الدليل غير مذكور.
واعلم أنه تعالى ذكر في أول سورة البقرة دلائل التوحيد والنبوة، وصحة المعاد، وذلك تنبيه منه تعالى على أن أحدًا من الأنبياء لا يدعو أحدًا إلى هذه الأصول إلا بذكر الحجة والدليل.
أقصى ما في الباب أنه تعالى ما حكى عن نوح تلك الدلائل في هذا المقام إلا أن تلك الدلائل لما كانت معلومة لم يكن إلى ذكرها حاجة في هذا المقام، فترك الله تعالى ذكر الدلائل لهذا السبب.
الفائدة الثانية: أنه عليه السلام ذكر أولًا قوله: {اعبدوا الله} وثانيًا قوله: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} والثاني كالعلة للأول، لأنه إذا لم يكن لهم إله غيره كان كل ما حصل عندهم من وجوه النفع والإحسان والبر واللطف حاصلًا من الله، ونهاية الإنعام توجب نهاية التعظيم، فإنما وجبت عبادة الله لأجل العلم بأنه لا إله إلا الله، ويتفرع على هذا البحث مسألة وهي: أنا قبل العلم بأن لا إله واحد أو أكثر من واحد لا نعلم أن المنعم علينا بوجوه النعم الحاصلة عندنا هو هذا أم ذاك؟ وإذا جهلنا ذلك فقد جهلنا من كان هو المنعم في حقنا.
وحينئذ لا يحسن عبادته، فعلى هذا القول كان العلم بالتوحيد شرطًا للعلم بحسن العبادة.
الفائدة الثالثة: في هذه الآية أن ظاهر هذه الآية يدل على أنه الإله هو الذي يستحق العبادة لأن قوله: {اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} إثبات ونفي، فيجب أن يتواردا على مفهوم واحد حتى يستقيم الكلام، فكان المعنى أعبدوا الله ما لكم من معبود غيره، حتى يتطابق النفي والإثبات، ثم ثبت بالدليل أن الإله ليس هو المعبود وإلا لوجب كون الأصنام آلهة، وأن لا يكون الإله إلهًا في الأزل لأجل أنه في الأزل غير معبود، فوجب حمل لفظ الإله على أنه المستحق للعبادة.
واعلم أنهم اختلفوا في معنى قوله: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} هل هو اليقين، أو الخوف بمعنى الظن والشك.
قال قوم: المراد منه الجزم واليقين، لأنه كان جازمًا بأن العذاب ينزل بهم إما في الدنيا وإما في الآخرة إن لم يقبلوا ذلك الدين.
وقال آخرون: بل المراد منه الشك وتقريره من وجوه: الأول: إنه إنما قال: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} لأنه جوز أن يؤمنوا كما جوز أن يستمروا على كفرهم، ومع هذا التجويز لا يكون قاطعًا بنزول العذاب، فوجب أن يذكره بلفظ الخوف.
والثاني: أن حصول العقاب على الكفر والمعصية أمر لا يعرف إلا بالسمع ولعل الله تعالى ما بين له كيفية هذه المسألة فلا جرم بقي متوقفًا مجوزًا أنه تعالى هل يعاقبهم على ذلك الكفر أم لا؟ والثالث: يحتمل أن يكون المراد من الخوف الحذر كما قال في الملائكة: {يخافون رَبَّهُمْ} [النحل: 50] أي يحذرون المعاصي خوفًا من العقاب.
الرابع: إنه بتقدير أن يكون قاطعًا بنزول أصل العذاب لكنه ما كان عارفًا بمقدار ذلك العذاب، وهو أنه عظيم جدًّا أو متوسط، فكان هذا الشك راجعًا إلى وصف العقاب، وهو كونه عظيمًا أم لا، لا في أصل حصوله. اهـ.